عدد المساهمات : 16 نقاط : 14284 تاريخ التسجيل : 27/02/2015
موضوع: الفرد الذى يبغيه الإسلام الإثنين سبتمبر 21, 2015 4:20 am
إن الصفاء الحقيقي هو الحالة الصافية الطاهرة النقية التي كان عليها الأصحاب والأتباع للحَبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلم ، فلم يكونوا بحاجة لإسم خاص ولا لتسمية لأنهم كلهم كانوا جميعاً على تلك الشاكلة من الصفاء والنقاء والأخوة الإيمانية.
وعلى ذلك فهذا المحور هو محور جامع لكل ما سبق من المحاور التربوية الإيمانية النظرية والتطبيقة ولذلك ختمنا به المحاور التي نريد ترسيخ مفاهيمها معاً، والله المستعان وبه توفيق البيان.
فالصفاء في معناه الصحيح والذي اتفق عليه كل الأئمة: هو العمل بأحكام شرع الله، والإقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحياة، طمعاً ورغبةً فيما عند الله يوم لقياه. فالشريعة تدعونا إلى العمل، والصفاء هو التطبيق الفعلي لهذا العمل.
فالصفاء هو جوهر الدين، وحقيقة اليقين، لأنه لا حياة لمبادىء ومُثُلٍ بغير عمل، إن لم تُترجم المبادىءُ والمُثُلُ إلى أعمال فهي إلى زوال، لكن الذي يكتب لها البقاء والخلود في عالم الدنيا والإرتقاء هو التطبيق الفعلي على نهج المرسلين والأنبياء.
والتطبيق العملي للصفاء ليس في ميدان العبادات.. كيف؟ قد ظنَّ أقوامٌ أن الصفاء هو أن يخلو المرء بنفسه ويتعبد لربِّه، فيقوم الليل ويصوم النهار، ويواصل تلاوة القرآن، ويذكر الله في الصباح وفي المساء، ويقضي ليله ونهاره كلَّه في ذكر ربِّه .. هذا ما ظنُّوا أو زعموا، لكننا فى الحقيقة، إذا كان الإنسان على هذه الشاكلة لا نسميه من أهل الصفاء، وإنما نسميه عابداً
فالعابد هو الذي اشتغل بعبادة ربِّه عز وجل، وأخذته العبادة أحياناً عن أخصِّ شئون الحياة، فربما لا يكون عنده وقت لطلب الأرزاق، وربما يضيق وقت عبادته عن الزواج، أو رعاية الأولاد، أو النظر في أمور المجتمعات، وهذا ليس كمالاً، ولذلك ليس هو المثل الأعلى في ديننا القويم ومنهج رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنما الصفاء في حقيقته:
أن يعطي المرء لكُلِّ ذى حقٍّ حقَّه، ولا يهضم حقًّا -لأصحاب الحقوق - مميزاً به حقًّا آخر على سائر الحقوق، فيعطي لله حقَّه في توحيده، وفى طاعته وعبادته، ولا يقصِّر في حقِّ زوجه أو أولاده، وألا يتوانى في حقِّ أفراد مجتمعه، وإنما يعطي للجميع حقوقهم ويقوم لهم أجمعين بموازين الشريعة الغراء، وبسُنَّة النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم الواضحة الزهراء. وهذا هو الفرد الذى يبغيه الإسلام، ويطلبه ويسعى إلى إيجاده نَبِىُّ الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
أدرك الرجال الصادقين في كُلِّ عصر هذه الحقيقة الإيمانية، فجعلوها جوهر الصفاء، فقال في ذلك الإمام أحمد البدوى رضي الله عنه: {الصفاء هو الخُلُق، فمَنْ زاد عليك في الخُلُق فقد زاد عليك في الصفاء}، فجعلوا جوهر ولُبَّ الصفاء هو الوصول إلى مكارم الأخلاق، ولذلك لو نظرنا نظرة عابرة إلى البلدان غير العربية التي فتحت - ووصلت إليها الدعوة الإسلامية:
نجد أن أغلب هذه البلدان كإندونيسيا، والملايو {ماليزيا الآن}، والفلبين، ودول أفريقيا كلها، وصلتها الدعوة عن طريق التجار الصادقين، بحسن أخلاقهم وسمتهم وهديهم جذبوا هؤلاء القوم إلى هذا الدِّين، لم يفتحوها بسيف أو رمح، ولا طائرة ولا دبابة ولا مدفع، وإنما فتحوها بحسن أخلاقهم وجمال معاملتهم، آثروا هؤلاء القوم وأسروهم بحسن أخلاقهم، وجذبوهم إلى دين الله بالأخلاق الكريمة العالية التي كانوا عليها في كل أحوالهم.
وهذا الدين - كما قال فيه بعض من لم يؤمنوا من العرب - قال فيه خطيب العرب أكثم بن صيفي: {إن ماجاء به مُحَمَّد، لو لم يكن دِيناً لكان في أخلاق الناس حسناً}
لأنه يدعو إلى مكارم الأخلاق ... فالإسلام كلُّه - جملةً وتفصيلاً يدعو إلى مكارم الأخلاق، لكن المسلم الذي يستطيع أن يأخذ نفسه بتعاليم الإسلام، ويجمِّلُها ظاهراً وباطناً بمكارم الأخلاق، هذا هو الذى نسميه صافياً، وهذا هو الذى يقول فيه الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} الأحزاب23
فإن الناس في كل زمان ومكان - يشدُّهم إلى الله أُنَاسٌ أخلصوا ابتغاء وجه الله - لا يغرُّهم المال، ولا تلفتهم زخارف الدنيا وزهرتها، فيغيِّرون أخلاقهم، أو يتملصون من طباعهم وهديهم - فيشدُّهم ذلك إلى الدين شدًّا قويًّا، لأنهم أهل الصفاء الصادقون العالمون والعاملون.